الصفا والمروة: قال الله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: 158] فرقدا الأرض، وجارا البيت الحرام، وطوبى لمن وقف عليهما، وسعى بينهما، أو إليهما. وسنذكر ما هما، فنقول:
أما الصفا، فحجر أزرق عظيم في أصل جبل أبي قبيس، قد كسر بدرج إلى آخر موضع الوقوف، وأكثر ما ينتهي الناس منها إلى اثنتى عشرة درجة أو نحوها.
وأما المروة، فحجر عظيم أيضًا إلى أصل جبل متصل بجبل قعيقعان كان قد انقسم على جزأين، وللبيت بينهما فرجة، يبين منها درج عليها إلى آخر الوقوف.
وذرع ما بين الصفا والمروة -وهو المسعى- سبعمائة ذراع وثمانون ذراعًا، ومن الصفا إلى الميل الأخضر المائل في ركن المسجد على الوادي مائة وثمانون ذراعًا، وذرع ما بين الحجر الأسود والصفا مائتا ذراع واثنان وستون ذراعًا، ومن الميل الأصفر إلى الأخضر الذي بإزاء دار جعفر بن العباس -وهو موضع الهرولة- مائة وخمس وعشرون ذراعًا، ومن الميل الثاني إلى المروة أربعمائة وخمس وسبعون ذراعًا، فجميع ما بين الصفا والمروة سبعمائة وثمانون ذراعًا.
تاريخ دار الندوة
قال الماوردي: لم تكن مكة ذات منازل، وكانت قريش بعد جرهم والعمالقة ينتجعون جبالها وأوديتها، ولا يخرجون من حرمها انتسابًا إلى الكعبة لاستيلائهم عليها، وتخصيصها بالحرم لحلولهم فيه، ويرون ذلك يكون لهم بسببه شأن، وكان كلما كثر فيهم العدد ونشأت فيهم الرئاسة، قوي أملهم وعلموا أنهم سيقدمون على العرب، وكان فضلاؤهم يتخيلون أن ذلك لرئاسة في الدين وتأسيسًا لنبوة ستكون، فأول من ألهم ذلك منهم كعب بن لؤي بن غالب، وكانت قريش تجتمع إليه في كل جمعة، وكان يخطبهم فيه، ويذكر لهم أمر نبينا ثم استلت الرئاسة إلى قصي بن كلاب، فبنى بمكة دار الندوة ليحكم فيها بين قريش، ثم صارت لتشاورهم وعقد الألوية في حروبهم، وكانت هذه الدار لا ينكح رجل ولا امرأة من قريش إلا فيها، ولا يعقد لواء حرب لهم ولا لغيرهم إلا فيها، ولا يتذر غلام إلا فيها، ولا تدرع جارية من قريش إلا فيها، يشق عليها درعها ثم تدرع، وينطلق بها إلى أهلها، ولا تخرج عير من قريش ولا يرحلون إلا منها، ولا يقدمون إلا بركوا فيها.
قال الكلبي: وكانت أول دار بنيت بمكة، ثم تتابع الناس فبنوا الدور، كلما قربوا من الإسلام ازدادوا قوة وكثرة عدد، حتى دانت لهم العرب.
قال الماوردي: صارت بعد قصيٍّ لابنه عبد الدار، فابتاعها معاوية في الإسلام من عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي، وجعلها دار الإمارة.
وروى الأزرقي أن معاوية اشتراها لما حج وهو خليفة بمائة ألف درهم.
وذكر السهيلي: أن هذه الدار صارت إلى حكيم بن حزام بن أسد بن عبد العزى بن قصي، فباعها في الإسلام بمائة ألف وذلك في زمن معاوية، فلامه معاوية في ذلك، وقال: بعت مكرمة آبائك وشرفهم؟ فقال حكيم: ذهبت المكارم إلا التقوى، والله لقد اشتريتها في الجاهلية بزِقِّ خمر وقد بعتها بمائة ألف! وأشهدكم أني جعلتها منها في سبيل الله، فأينا المغبون؟!
قال الحازمي: هي اليوم -يعني دار الندوة- في المسجد الحرام.
وقال الأزرقي: وهي جانبه الشمالي، قد تقدم ذكرها.