المرأة والدور الرسالي

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

المرأة والدور الرسالي

فاطمة عبدالرؤوف

مقالات متعلقة

خَلَق الله – عزَّ وجلَّ – المرأةَ من أجْل دَوْر محوريٍّ في هذا الكون، فهي لم تُخلَقْ عبثًا، أو لمجرد إضافة قد تستقيم الحياةُ بدونها، بل خُلِقت لتتحمَّلَ الأمانة التي أُلْقِيت على عاتق الإنسان بنوعيه الذَّكر والأُنثى.

والخِطاب الإسلامي في مصدرَيْه الأساسيين (القرآن والسُّنة) يُوجَّه فيه الخطاب للمرأة كالرَّجل ما لَمْ يُخصَّص الرجل باللفظ أو بالقرينة، فعندما يقولُ النبي – صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أيُّها الناس))، فالخطاب للرِّجال والنساء جميعًا، وهذا أمرٌ اتَّفق عليه العلماءُ والفقهاء جميعًا.

المرأة إذًا في التصوُّر الإسلامي مُكرَّمة، مسؤولة عن الأمانةِ، ذات دَور رِسالي، محوري أساسي في هذا الوجودِ، وهذا ما ينبغي أن تعيَه وتفهمَه المرأة، وتُفكِّر فيه كثيرًا؛ لأنَّه ليس بالأمر الهيِّن، بل هي الأمانةُ التي أشفقتِ السماوات والأرض مِن حمْلها، وحملتْها هي وشقيقُها الرجل، فما هي ملامِح وأبعاد هذا الدور؟

أمَةَ الله:

لكلِّ إنسانٍ في هذه الحياة فلسفتُه الخاصة، التي يتحمَّل مسؤولية نتائجها، والحقيقة أنَّ هذه الفلسفةَ الخاصة غالبًا ما تكون ظلاًّ لفلسفة كبيرة شائعة في المجتمع الذي يحياه، وفي عصْرنا هذا شاعتْ فلسفاتٌ كثيرة لا دِينيَّة، معادية للدِّين قلْبًا وقالبًا، اتَّخذت مسميات عِدَّة، ولكنها تصبُّ في النهاية في بحرِ الإلْحاد والشرك، طرحت هذه الفلسفاتُ بذورَ الشك في قلوب متبعيها، بدءًا من الاعتراض على القضاء والقدَر، مرورًا بالتمرُّد على التشريعات الإلهيَّة، انتهاءً بالكفر والإلحاد، وإنْ تسمَّى بغير اسمه، شاحنة القلوب بحبِّ المادة، وشَرِه الاستهلاك البغيض، مروِّجة لحالةٍ من الصِّراع والمنافسة.

وَجدتِ المرأةُ المعاصرة نفسَها في أتُّون هذا الصِّراع، وقد وقعتْ رُوحها تحت أسْر وسائل الإعلام، التي تُروِّج لهذه الفلسفات بكافَّة الأساليب، فانسحقتِ الكثيرات تحتَ الضغوط، وأخرسْنَ صوتَ الفِطرة داخلَ قلوبهنّ، وتَقَولبْنَ في النمط المحدَّد سلفًا من الكِبار المفسدين في الأرض.

أمَّا المرأة المسلمةُ التي تفهم دَورها الرِّسالي الذي خَلقها له ربُّ العالمين، فهي ترفض العبوديةَ لهذه القِيَم القديمة الحديثة، فهي أَمَةٌ لله وحدَه، خاضِعة لشَرْعه وتعاليمه، قد تحرَّر عقلها من زَيْف الشبهات، وتحرَّرتْ رُوحها من ضغْط القِيَم المجتمعيَّة الرائجة والسائدة.

الرسالة الأولى – إذًا – للمرأة في هذه الحياة أيًّا كان الموقِع الاجتماعي الذي تحتلُّه، يجب أن تكونَ تحقيقَ تمام العبودية لله – عزَّ وجلَّ – في اعتقادها وأفكارها، وعبادتها ومعاملاتها، وممارساتها الحياتيَّة المتنوِّعة.

سلام لا حرب:

خَلَق الله تعالى المرأةَ سكنًا للرجل؛ ﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].

فأعْظم مهمَّة تقوم بها المرأةُ هي تحقيقُ ذلك السكن، وإشاعة جوِّ الهدوء والسلام، لا جو الحرْب والعداء والتربُّص، الذي تَشيعه الفلسفةُ النسوية المريضة بكافَّة أطيافها وتجلياتها.

المرأة سَكَنٌ للرجل منذ خُلِق آدم – عليه السلام – وهذا المصطلح (السَّكن) له ظلالٌ وارفة، فهو يعني الهدوءَ والسكون، والملجأ من قَسوة الحياة وتحدياتها، إنَّه حالة من السلام الممتِع الإيجابي.

المرأة مبدِعةٌ حين يَسكن إليها الأبناءُ، فتصيغ لهم شخصياتٍ مميزةً من وحي دِينها، الذي أنار فِطرتَها فكانت نورًا على نور.

المرأةُ المسلِمة سلامٌ حيث حلَّت، في عمل أو بيت، وهذه هي رِسالتها.

المرأةُ المسلِمة إنسانةٌ قوية، فهي لا تكتفي بإدانةِ الباطل في قلْبها، ولا بنفيه في سُلوكها وممارساتها، بل هي ترسُم صورةً جديدةً حيةً للواقع.

السلام ليس ضعفًا، والسكن لا يعني سلبيةً، والمرأة المسلِمة يجب أن تَعي جيدًا طبيعةَ هذا الدور الرِّسالي الذي تقوم به، ما هو على وجهِ التحديد؟ ما فلسفتُه؟ ما النتائجُ التي تعود على المجتمع عندما يؤدَّى بإتقان؟ وما هي النتائجُ الكارثية التي قد تَحدُث إذا تمَّ تهميشُه؟

لقد بَذَل المخرِّبون جهدًا كبيرًا؛ حتى لا يتحقَّق هذا الهدف "السكن"، وقطعوا شوطًا كبيرًا في تنميرِ النساء، بحيث أُصيبتِ الفطرة النفسية العميقة بأذًى كبير، فتجد الطلاق وقد استعرَ لأشياءَ يسيرة، فكثيرٌ من النِّساء لم يَعُدْن يتحملْن من الزَّوج أمرًا أو نهيًا، ربما ولا رجاءً! فهي صاحبةُ راتب مستقلّ، وهذا يعني – في ظنِّها المخدوع بترهات النسويات – أنَّ الاستقلال الاقتصادي مبرِّرٌ كافٍ لعدم الخضوع للزوج، أو الاعتراف بقِوامته عليها، ومعاملته معاملةَ النَّدِّ للند.

حتى أصبحَ كثيرٌ من النِّساء يخجَلْن من قولهنَّ: نحن ربَّات بيوت – مثلاً – فكأنَّ الأمَّ المتفرِّغة لتربية أبنائها إنسانةٌ لا قِيمةَ لها، ولا لجهدها في هذا المجتمع!

أمَّا الرؤية الإسلامية، فهي تمنَح المرأةَ ذِمَّتها المالية الخاصَّة بها، ولا تمنعها من الكَسْب الذي لا يتعارض مع رِسالتها الأصيلة في البيت، ولها الحقُّ في إنفاق هذا المال، أو التصدُّق به، أو ادِّخاره، أو استثماره في التجارة، أو أيِّ نشاط اقتصادي آخَرَ، ومع ذلك كله فهي مُقرِّة بقوامة زوجها عليها، شاكرة له، لطيفة معه، فالنبي – صلَّى الله عليه وسلَّم – يقول: ((لو كنتُ آمِرًا أحدًا أن يسجدَ لأحد، لأمرتُ المرأة أن تسجدَ لزوجها))، فأين هذا مِن التنمُّر والنِّديَّة المقيتة، والحروب النفسيَّة والمادية، التي تريد النسوياتُ شنَّها في المجتمع؟!

لا عجب إذًا مِن تراجُع معدَّلات الزواج، وخشية الرِّجال من الإقبال على هذه المعسكرات، التي يُطلَق عليها البيوت، وبالتالي شيوع الفاحِشة، واستشراء الفساد، الذي تكون المرأةُ فيه الخاسرَ الأكبر.

مشكورة على الطرح اختي

للرفع