بسم الله الرحمن الرحيم..
سؤالي يقضي التنويه إلى مكان سكني حتى يُعلم عِظَم الأمر! فأنا أسكن في ضواحي مدينة عكا وأعمل سائق شاحنة في مصنع فيه يهود. سؤالي حول رجل – ومثله كثيرون- مسلم ، ليس فقط أنه لا يصوم ، سواء بعذر أو بغير عذر ، فليست هذه هي القضية ، إنما يأتي المصنع في الصباح ، وهو سائق مثلي ، وهو يدخن ، والأدهى أنه يأتي بإبريق قهوة ويبدأ ‘ يكرم’ على من ليس بصائم من المسلمين وعلى اليهود! السؤال: كيف أتعامل معه ومع أمثاله ؟ من طرح السلام عليه أو الرد ، كيفية النصح ، وكيفية التصرف إن لم يقبل النصيحة ، وبقي على حاله . أو أي جوانب أخرى من المعاملات… وجزاكم الله خيرًا .
الجواب :
الحمد لله
أولا :
المشروع في حقك أن تعظه وتبين له خطر ما يعمله من الفطر في رمضان ، وهي كبيرة من أعظم الكبائر .
ثم قد ضم إلى ذلك كبيرة أخرى وهي المجاهرة بتلك الكبيرة ، والاستهانة بشأنها ، وعدم الاستتار بها ، مما يدل على ضعف تعظيم الشعيرة في قلبه ، مع ما يؤدي إليه ذلك من تجرئ لغيره على ذلك الفعل ، أو إغاظة لقلوب المؤمنين ، وإشمات الأعداء بهم .
وفي الصحيحين ، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَاةٌ إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ فَيَقُولُ يَا فُلَانُ قَدْ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ فَيَبِيتُ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ ) رواه البخاري ( 5721) ، ومسلم ( 2990 ) .
فكيف بمن يعمله جهارا ، نهارا ، لا يستحيي منه ، ولا يستتر به ؟!
ثانيا :
وأما كيفية النصح : فلا شك أن المناسب لمثلك ، ممن ليس له سلطان على هذا السائق وأمثاله ، أن تتلطف في نصحه ، وتذكّره بالله ، وتخوّفه من ربٍّ جلَّ جلالُه ، وتعظِّم له شأن ما هو فيه ، وأن إيمان القلب برب العالمين ، يستوجب من العبد أن يوقره ، ويعظم شعائره ، فيقوم بها ، ويعظم حرماته ، فيجتنبها ؛ قال الله تعالى : ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ * حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) الحج/30-32 .
فإن لم ينفع معه شيء من ذلك ، ورأيت منه إعراضا ، أو استهانة بحرمات الله ، فالمشروع في حقك : أن تهجره ، وتترك كلامه ، والمعاملة معه ، وتدع السلام عليه ، أو رد السلام عليه ؛ خاصة في الأوقات التي يلابس فيها هذه المعصية العظيمة ، فلا يحل لك أن تجالسه ، وهو يعملها ، حتى يقلع عن ذلك ، ويتوب منه .
وإنما تتعامل معه في حدود الضرورة التي يلزمك بها نظام العمل فقط .
فإن خشيت من ذلك الهجر : ضررا عليك في دينك أو نفسك ، لأجل عيشك في بلد : السلطة فيه للكفار ، وغلب على ظنك حصول أذى من ذلك : فلا حرج عليك في مداراته ، بقدر ما يدفع عنك الضرر ، مع إنكار منكره ، بحسب ما تستطيع .
والله أعلم .
المصدر