كريم التركي.. ابتعد قليلاً !!.كريم الشاذلي تُعلمنا الحياة كثيراً. أكثر مما تُعلمنا المدرسة ويُلقننا أهلنا، ففي الحياة نرى سجالاً دائماً يستنبط منه اللبيب الذكي فهماً أعمق للحياة وقوانينها، ربما لا تكون كل دروسها صحيحة مائه بالمائة، لكن الاجتهاد في الفهم يجعلنا أكثر قرباً للصواب والحقيقة. وفي الحُب تخبرنا الحياة بدروس مهمة، نغفلها للأسف ونحن مشدودين أمام (مهند وكريم) أو نتمايل كالمجانين على أنغام (عمرو وتامر).. نهمل الدروس الحقيقية لحساب دروس أخرى غارقة في وهم المثالية والأحلام.. من هذه الدروس أحب أن أضع بين يديك ما يلي: 1- الرومانسية الحالمة لا تصنع وحدها سعادتنا الزوجية، الرومانسية المنضبطة هي التي تفعل ذلك، الرومانسية التي تستمد من العقل عمقاً واتزاناً هي التي تجعلنا نستمتع دون تطرف، نُحب دون اشتراط المثالية والصواب دائماً، نتعامل مع الحياة بأخطائها ومشاكلها بشيء من المرونة والحكمة، واليقين بأنّ القادم أفضل دائماً.. بأيدينا وجهدناً والتزامناً تجاه بعضنا البعض. تؤكد أحد الابحاث على أنّ الحب الرومانسي الحالم قبل الزواج يتحول بنسبة 33% إلى زواج هادئ عادي جداً بعد ثلاث سنوات، و50% يتحول إلى فتور وعدم اكتراث هو أقرب للروتين منه للحب في مبتدأه، بينما نسبة 16% تتحول إلى عداء وبغض ومشاكسةً. وهذه النسبة حتى وإن لم نقبلها وعارضناها إلا أن الواقع يؤكد أنّ الحُب الحقيقي هو الحُب الذي يقوم على القبول العقلي، والوعي والنضج، وتقديس العلاقة واحترام أركانها. 2– في أوقاتٍ كثيرة وكي يستمر الزواج يجب أن نوجه وبقوة ضوء النقد إلى داخلنا، ونتهم أنفسنا، ونراجع ذواتنا. ذلك أنّ التجربة أثبتت أنّ أحد أخطر ما في الزواج أن يكشف حقيقتنا، يعرينا، يضعنا أمام شخص ـ مع ما يكنه لنا من حُب ـ إلا أنه غريب عن معايشتنا، يستطيع بسهولة وضع أصبعه على أخطائنا وتركيز الضوء عليها، الزواج يكشفنا فعلاً، يُنير حياتنا الشخصية، والشريك الذي الفطن هو الذي يتقبل أي توجيه أو نقد أو ملاحظة من شريكه، فيعمد إلى تصحيح بعض سلوكياته وتعديلها، إننا عزيزي الزوج عزيزتي الزوجة يجب أن نعي أنّ أحد التحديات الحقيقية لنا عندما نتزوج أن نسمح له بأنّ يغيرنا للأفضل في بعض الأمور والقناعات والسلوكيات، ويتقبلنا كما نحن في البعض الآخر، لذا وجب علينا أن نكون أكثر تسامحاً وهدوءاً وإيجابية تجاه محاولات النقد والتوجية من الطرف الآخر. 3- لا يجب أن نضطرب في بداية حياتنا الزوجية من عدم التفاهم التام، يجب أن نعي أنّ هناك ثمة مرحلة من التعرف على شريك الحياة، من التجريب، من الوقوع في الأخطاء، من التصادم، هذه المرحلة يمكن أن تزيدنا حباً إذا ما تعاملنا معها بمنطقية وعقل شديدين، وتدمر حياتنا تماماً ذا تعاملنا معها بحساسية واضطراب، واتخذناها معياراً على هشاشاة الحب أو سوء الاختيار. التجربة تؤكد أنّ الذكاء يستدعي أن نتعلم من أخطائنا، لأنه من المستحيل تجنبها، وأن يكون الهدوء وتقبل الاختلاف والخلاف في بداية الزواج دون التمرد عليه أو رفضه أو ترجمته ترجمة خاطئة هو سبيلنا لدوام العِشرة الطيبة، والحب الدائم. 4- عندما نُحب نصنع من المحبوب شخصاً مثالياً أقرب للملاك منه من بني البشر، وعندما نتزوج تنكشف الصورة عن شخصية المحبوب الحقيقية بكل نقائصه وعيوبه، يجب أن نعي أنّ المثالية لا وجود لها في دنيانا، وأننا بحاجة إلى تقبل الصورة الطبيعية الحقيقية، ونكتشف مكامن أخرى للجمال والروعة في شخصية وسلوك شريك الحياة، ثم ننميها من خلال الثناء الدائم، وغض الطرف عن الهفوات والزلات. 5- لم أرى كالنقد المستمر مدعاة للشقاء الدائم، ذلك أنّ النظر إلى شريك الحياة بنظارة سوداء تُحيل كل ميزة إلى عيب، وتُكبر الخطأ وتصوب الاضواء عليه مدعاة للتعاسة والتوتر. 6- المقارنة كفيلة بصنع جُرح في قلب شريك حياتك لا يندمل، احذر هذا جيداً، إياك أن تقارن بين حبيبك وبين أي شخص آخر قريباً كان أو بعيداً. كذلك لا تقارن بين حالك وحال الآخرين، ففضل الله يؤتيه من يشاء، كما أننا يمكننا ملاحظة الوجوه المبتسمة لكننا لا نستطيع أن نجزم أنّ قلوبهم تؤمن على هذه الابتسامة وتُصدقها أم أنها حزينة منكسرة، احمد ربك دائماً وتمن الخير لنفسك والآخرين. 7- لا شك أنّ المال عنصراً هاماً من عناصر الحياة الكريمة، لكنه ليس وحده كل المعادلة، السعادة والراحة تحتاج لتحققهما إلى إعطاء كل ذي حق حقه، فبجانب تعبك وسعيك ومجهودك اليومي أنت بحاجة أن تروي عطش شريك حياتك العاطفي والنفسي، أن تكون قريباً منه، لا بد أن يشعر بأنه أهم ما في حياتك، ولا تتحجج بأنّ جني المال هو في الأخير لها، فمالا يعلمه الرجال أنّ قليل من المقال مع الكثير من الحُب يروي ويُشبع. 8- السعادة الزوجية ليست منحة أو عطية وإنما هي كسب يدك، نتيجة عملك، وكلما كنت مجتهداً حريصاً في صنع ما يُبهج حياتك كلما كانت أسباب السعادة أقرب منك، وأسرارها في متناول يدك. 9- المرأة تُحب كلام الغزل لا تمله أبداَ، وكلمة أحبك لا تفقد بريقها ولا جوهرها من كثرة ترديدها كما يظن الرجال، بل يزيد ترديدها من بهائها ورونقها. 10- ادعُ الله أن يُديم الحُب، الدعاء شيء جوهري في الازدياد من كل خير، ومن حُرم الدعاء فقد حُرم خيراً كثيراً.. تلك عشرة كاملة، تدبرها ملياً، ومن حُسن الفطن إرفاق جميل القول بحُسن العمل، فهذا أوفق للتميز والارتقاء.. والسعادة. * * * * كريم الشاذلي. الكاتب والباحث في مجال العلوم الإنسانية. * * * * الحُب كالبحر، يهيج، يضرب بقوة، يرتفع عالياً، حتى ليظن الظان أنه لن يهدأ أبداً، لكنه ما يلبث إلا ويعود إلى طبيعته، وتسفر هذه التقلبات عن إخراج ما بداخله من خبث وسوء. والمُحبان قد يحدث بينهم شجار، انفعال، حديث حاد، شد وجذب. لكنهما لا يلبثان أن يعودا إلى أصل طبيعتهما، وقد أخرجا من الصدر كل ما يحزنهم ويؤلمهم، ويخنقهم، أخرجوه بعيداً! كريم الشاذلي (كتاب "الإجابة الحُب" (كتابٌ رائعٌ لكل زوجين يحرصان على تطوير العلاقة بينهما). * * * *
للرفع