أحمد الرتوعي الأب المربي
سأحكي لكم عن سيرة هذا الرجل كما عرفته ولكم الحكم بعدها
إذا كان العنوان قد صُدق فيه
في احدى المناسبات المدرسية وعند المدخل لمحنا أنا وابني إبراهيم نبحث عن مدخل النساء فأقبل مسرعا يدلنا عليه سألت ولدي هل هذا هو حارس المدرسة
– لا يا أمي ،هذا هو مديرنا الأستاذ أحمد الرتوعي.
-يا ولدي يا إبراهيم أنت في أيد أمينة .
فلقد كان الأستاذ أحمد واقفا في المدخل يستقبل أولياء الأمور
وبعد ذلك تتابعت مشاهداتي له ،فقد كان رحمه الله مدير القسم الثانوي لمدارس الجامعة الخاصة في الظهران، وكان المشرف العام على المدارس.
فقد كنا نوصل الأولاد إلى المدرسة يوميا، وكان كثيرا ما يهتف الأولاد فرحين :انظروا الأستاذ أحمد. الأستاذ أحمد.
فكنا نراه في مداخل المدارس صباحا أو عند انصرافهم مساءا ، تارة عند مدارس البنات وتارة عند مدارس الأولاد، بل كنا نراه حتى عند زيارتنا للمدارس ضحى ،يتجول حول المدارس بسيارة المدارس ،فكنا نتساءل: متى يجلس هذا المدير في مكتبه؟! وكلما رأيته قلت :حفظك الله يا أستاذ أحمد ذكرتنا بسيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتفقده للرعية.
ولن يعرف أحد حقيقة الأستاذ أحمد ،إلا من تعامل معه ،وعادة الأهالي لا يتواصلون مع المدير إلا إذا تعرض أولادهم لمشاكل تعليمية أو صحية ،فحين يتواصلون معه لا يشعرون أنهم يتحدثون مع مدير مدرسة (والذين للأسف يتصف بعضهم بالصرامة بل ربما الجدار يكون ألين عريكة منهم)
حين تتحدث مع الأستاذ أحمد ،تشعر أنه يستمع لمشكلتك كأب ويحس بمشاعرك وإحساسك أنك تحترق من أجل هذا الولد.
أجريت لولدي إبراهيم عملية في ركبته قبل امتحانات الثانوية العامة ،فقدم لنا الدعم النفسي والتعليمي ووعدنا قائلا:لا تحملوا هما ،سنساعده ولن يتأثر مستواه.
و صدق وعده.
كما قام بزيارة ابني مع بعض المدرسين في بيتنا ،رغم أنه لا تربطه بزوجي أي سابق معرفة أو صداقة.
وكان متواضعا رحمه الله مع الجميع ،فيبش في وجوه الطلبة والحراس والعمال فتراهم وقد ارتسمت على وجوههم ابتسامة الرضا من أول ما يشاهدونه.
كان ينزل إلى مستوى الطلاب وينصحهم بطريقة محببة ، ويحاول أن يحقق مطالبهم، فكان مقبولا
أعظم مثال هو حفل التخرج .
علم أن طلبة خريجي الثانوية يجمعون أموالا ليقيموا حفلا خاصا بهم غير حفل
المدرسة الرسمي
فخاف عليهم أن يسيئ البعض التصرف ،فيسيئ لسمعة طلاب المدارس ولأهاليهم ولسمعة المدارس
فاجتمع بهم وحاورهم ،
وقال: أنا سأقيم لكم حفلا في فندق الظهران ، ولن تدفعوا ريالا، ولن يحضره أحد
غيركم وأنا والمدرسون،وافعلوا ما يحلو لكم ،شريطة أن تلغوا الحفل الآخر.
وصدق وعده، و أقامة لهم حفل عشاء بعد حفل التخرج ، عبروا فيه عن فرحتهم بعفوية وفرح ،وبذلك حفظهم وحفظ أهاليهم،وحافظ على سمعة المدارس المتميزة ،ونادرا ما تقيم المدارس الأهلية حفل تخرج دون أن يدفع أولياء الأمور رسوما لها.
في حفل التخرج هذا كشف عن الخلق الكريم للأستاذ أحمد ،وفي الحقيقة هذه هي خلق المدارس أيضا
فمما يميز مدارس الجامعة أن العنصرية تنخفض إلى أدنى حد لها
فإذا أردت أن تمنح أبناءك فرصة للتعايش واحترام الآخرين، بل وحبهم ،مهما كان أصلهم وفصلهم ،فقط ستحكم عليهم بأخلاقهم الكريمة ؛ فعليك بمدارس الجامعة حيث ستجد أن بها جموعا من الطلبة والهيئة التدريسية من جميع أنحاء المملكة ،وجميع الدول العربية و الاسلامية ، بل بها بعض من دول العالم الأخرى ، في الوقت الذي تعاني فيه
بعض المدارس الأهلية من عنصرية في التعامل مع الطلاب والأهالي
فنرى أن الأهالي يشتكون أن في حفل التخرج تحجز الصفوف الأولى
لحمولة صاحب المدرسة ،وتقتصر مشاركة حفل التخرج على أولاد الحمولة فقط لصاحب المدرسة ، وما على أولياء أمور الطلبة الباقين ، إلا تسديد الرسوم الدراسية ،والجلوس في الصفوف الخلفية، والتصفيق لحمولة صاحب المدرسة،
ولقد حضرت حفل تخرج ،ألقى كلمة الخريجين ولد حمولة صاحب المدرسة ،ثم ألقى كلمة أولياء الأمور أبو الولد الذي ألقى كلمة الخريجين ،وكأنه لا يوجد في هذا البلد غير هذا الولد
ثم جرى أمر عجيب توالت فقرات الحفل لأولاد حمولة صاحب المدرسة واستثني منها الخريجون المحتفى بهم والذين من المفترض أنهم نجوم الحفل الذين لم يسمح لهم بالمشاركة وكانوا مثل الأطرش في الزفة.
ثم حضرت حفل تخرج ابني إبراهيم من ثانوية مدارس الجامعة ، فقد كانت كل الصفوف مفتوحة ولم يحجز منها الصف الأول ، فكانت من نصيب الأمهات اللواتي بكرن في الحضور ، بل شاهدت الكثير من موجهات المدرسة ممن لديهن أبناء خريجين قد جلسن
في الصفوف الخلفية
ولقد سمح للطلاب غير السعوديين بلبس البدلة ولم يجبروا على لبس البشت وحتى طريقة اصطفافهم كانت عادلة، فكانت صفوف طولية ،صف للبشوت وصف للبدل السوداء،
حتى تقديم الفقرات ، فقرة يقدمها طالب سعودي ،وفقرة يقدمها طالب غير سعودي،
وكان حفل التخرج يستنزف الكثير من الجهد والكثير من الخلافات ، فكل طالب معترض يذهب يشتكي إلى الأستاذ أحمد فيحاول أن يستوعبه ويرضيه ويقنعه.
و في أثناء حفل التخرج ينبه الأستاذ أحمد كل طالب خريج عند استلام شهادته:انظر إلى
الكاميرا أمك لم تأت لتشاهد وجهي أتت لترى ابتسامة وجهك.
لذا فقد كان الأستاذ أحمد دائما بين أربعة أقطاب تتجاذبه ، فهو بين رغبات الطلاب وانتقاد الأهالي وبين رضا المدرسين وقرارات مجلس الإدارة،إلا أن الجميع يشهد أنه حاول جهده أن يكون متوازنا وعادلا مع الجميع ،فحين تصله المشكلة يحاول أن يحلها بنفسه دون أن يحولها إلى أي جهة وغالبا ما كانت المشكلات تنتهي عنده. وكأنه هو صاحب المدرسة الحقيقي وكأنه يرعى ويداري ماله الخاص.
ومع كل هذه الضغوط إلا إنه كان مبدعا في خلقه و تعامله ، فهو لم يكن مهتما بالعملية التعليمية فقط ،بل كان مثل الأب الذي يرعى أطفاله ،فهو يحاول أن يهتم بهم من كل جانب وأن يحفز الجميع للسير بهم قدما.
هذا ما عرفته عن الأستاذ أحمد الرتوعي فهل توافقونني الرأي الآن.
إنه كان الأب المربي
رحمك الله يا أستاذ أحمد ونشهد الله أنك أديت الأمانة ونصحت أبناءنا وبلغت رسالتك ونحن شهود الله في أرضه اللهم ليكن إخلاصه في حفظ أبنائنا شفيعا له واحشره مع المخلصين من الأنبياء والصالحين إنك على كل شيء قدير.
د بشرى عبدالله اللهو ….
مووووووووفقه